من ينتصر على من .. حكومة الكاظمي في مواجهة الدولة العميقة

من ينتصر على من .. حكومة الكاظمي في مواجهة الدولة العميقة

محمود المفرجي الحسيني

اي باحث او متتبع عندما يتناول الشأن السياسي العراقي، فلابد له ان يستحضر هذا المشهد منذ عام 2003 ولحد الان، ويشخص التراكمات التي عصفت به من فساد واخفاقات وسوء ادارة للوضع الاقتصادي، واستفحال ما سميت بـ "الدولة العميقة" التي اعترف بوجودها الجميع، وارتباط هذه الدولة بكيانات وكتل سياسية حالت دون نجاح اي حكومة بعد هذا التاريخ، الا في ملفات بسيطة ربما لا ترتقي لمستوى خيرات وامكانيات العراق على كافة الصعد.

وتدعم هذه الاخفاقات، النظام السياسي العراقي النيابي، الذي يعد صاحب اليد الطولى بترسيخ هذه المآسي التي يمر بها العراق، فرئيس الوزراء لابد له ان يكون مدعوما من اكثر كتل سياسية ليستطيع ان يكون قويا ولو بصورة نسبية، وهذه القوة لم يحضى بها الا شخصين من بعد عام 2003 ولحد الان، وهما رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي الذي حكم العراق لـ 8 سنوات، ومن بعده حيدر العبادي الذي حكم لـ 4 سنوات فقط.

لكن الذي يحصل من اخفاق اي حكومة، يتم تحميل هذه الحكومة كل الاخفاقات التراكمية، بشكل لا ينسجم مع وجودها قبل عهده، وبالتالي يوصل الجميع الى نتيجة ربما تكون منطقية بان اي حكومة تتسنم وتتصدى للملفات العراقية بانها ليست مسؤولة عن جميع هذه الاخفاق، لان الكتل التي تصوت على اختيار رئيس الوزراء، لا تدافع عنه بل تتخلى عنه وتحسر دفاعها على الوزير الذي ترشحه، وهذا لمسه الجميع بان اي وزير او مسؤول حكومي يقدم للاستجواب تنبري كتلته لتدافع عنه دفاعا مستميتا.

ولو اخذنا حكومة مصطفى الكاظمي كمنوذج لرأينا انها من اكثر الحكومات التي لا تحضى بدعم كتل سياسية معتد بها، وربما ان بعض الوزراء الذين في داخل الحكومة لهم من يدافع عنهم، في حين ان الكاظمي لا يوجد من يدافع عنه. وهنا يبدر الى الذهن سؤال: هل الكاظمي وحكومته مسؤولين عن الاخفاقات التي تجري بالبلد؟

وهذا السؤال ربما يجيب عليه عضو ائتلاف النصر علي السنيد، الذي قال، ان "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لا يملك "عصا موسى" لتغيير الواقع، مشيرا الى، ان "عمر الحكومة الحالية لا يكفي لمكافحة الفساد، وان رئيس الحكومة السابقة عادل عبد المهدي منح صلاحيات عجيبة للجنة مكافحة الفساد".

وما يزيد من ازمة الحكومة الحالية، هي قرب الانتخابات، وبدء الكتل السياسية بالتحضير الى هذه الانتخابات لضمان وجودها وتدعيم نفوذها، وهذا ما حذر منه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عبر تشكيلته الوزارية، بقوله "احذر الوزراء من مغبّة استغلال وزاراتهم وتحويلها إلى "ماكينات انتخابية"، فيما أشار إلى وجود "تقييمات" للوزراء والمسؤولين، أكد عزمه اتخاذ "قرارات صعبة" في هذا الصدد.

وقال الكاظمي خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت اليوم الثلاثاء: "لدينا تقييمات للوزراء وللمسؤولين وسنتخذ قرارات صعبة، فهدفنا خدمة أبناء شعبنا وتصحيح الأوضاع، للوصول الى انتخابات مبكرة نزيهة"، لافتاً إلى أن "الحكومة الحالية حكومة خدمات ولا تسعى للتنافس الانتخابي لتحقيق أهداف سياسية، فقد وضعت نصب أعينها خدمة المواطن أولاً وأخيرا".

وأضاف أن "على الوزراء أن يتذكروا أنهم جاءوا لأسباب خدماتية لخدمة أبناء شعبنا، وليس لأهداف سياسية قبل التفكير بالترشح للانتخابات ، وعليهم عدم استغلال وزاراتهم للانتخابات".

وتابع الكاظمي: "لن أسمح بأن تتحول المواقع الوزارية الى ماكينات انتخابية، وأرفض رفضا قاطعا أي استغلال لإمكانيات الدولة من قبل المرشحين".

ان حديث الكاظمي بهذه اللهجة التي فيها شيء من الصرامة، يبين حجم تأثير الكتل السياسية وقدرتها على الضغط على المنظومة الحكومية وتأثيرها حتى على الوزراء، وهذا ما يدفعنا الى البحث عن المتسبب بكل هذا، وخاصة المتعلق بالملف الاقتصادي وادارته في البلد.

وربما يكون تصريح الخبير الاقتصادي، باسم انطوان، فيه شيء من الاجابة، والذي قال، انه "متى رفع السياسييون ايديهم عن الملف الاقتصادي، فان العراق سيكون بخير"، مشددا على ضرورة استثمار الطاقات العراقية الشبابية الكفوءة في ادارة هذا الملف، بالاعتماد على الخبرات الموجودة.

وقال انطوان لـ "دجلة"، ان "هناك ضعف في الادارة الاقتصادية في البلد، بسبب هيمنة المحاصصة على ادارة الملفات الاقتصادية، فضلا عن ان الكفاءات لا تستطيع ممارسة دورها في اختيار السبل الصحيحة لخلق انتاج جيد وبالتالي تحسين الناتج الاجمالي للبلد".

واضاف، ان "العراق بلد ولاد وفيه كفاءات وامكانيات وهو غني، فهناك ثروات اخرى مثل المعادن من غير الثروة النفطية، فضلا عن امتلاكه لطاقات شابة يمكن ان تنهض بالبلد اذا تم استثمارها، لكن بشرط ان يرفع السياسيين ايديهم من الملف الاقتصادي".

في حين يرى اخرين بان الحل يكمن في تغيير النظام البرلماني الى رئاسي، حسب مطالبات كتل منها ائتلاف دولة القانون وكذلك الصادقون وغيرها من الكتل.

وفي هذا المشهد المعقد الذي يعيشه العراق، ووفق موازين القوى التي لم تفرز لحد الان قوة مهيمنة يمكن ان تتصدى بمفردها الى المشهد الحكومي، تبقى الحلول مؤجلة، لحين وجود ارادة ربما لتغيير الدستور او تعديل بعض فقراته، وان تكون هناك رقابة حقيقية على المصالح الحكومية بعيدا عن نفوذ الكتل السياسية.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا