كيف تتعامل مع السفهاء ؟

كيف تتعامل مع السفهاء ؟

إذا واجهت مشاكل مع بعض الناس من الفئة السفيهة، فلا تضيّق الخناق على نفسك، وتقع في حيرة عظيمة، تطرح أسئلة لا جدوى لها، بغية فهم واستيعاب دوافع أشخاص كهؤلاء، مثل: لمَ يعاملني ذلك الشخص على هذا النحو السيئ دون سبب؟ ما الذي يدفعه إلى توجيه مثل هذا الكلام القبيح لي؟.. إلخ.

لا تعالج العلة، بل عالج ردة الفعل، سيكون هنالك الكثير من الأشخاص السفهاء من حولك في هذا العالم -أينما حللت وذهبت- بل إنهم يفوقون الأشخاص الراشدين والعقلاء في العدد، تلك حقيقة مؤكدة، فلا تضغط على نفسك، ولا تحمّلها أكثر من طاقتها.

تحكم بردة فعلك
إن وجود السفهاء من حولك حقيقة يجب عليك تقبّلها والتعامل معها، وينبغي عليك أن تبني على أساسها، لا أن تفني نفسك وعمرك في محاولة تغييرها، يمكنك دوماً محاولة الإصلاح، ولكن ترفع عن الخوض مع السفيه حتى لا يخلط الناس بينك وبينه، وإياك والانجراف معه، سواء كان ذلك عن طريق مجاراته بالكلام أو غير ذلك.

وتذكر أنك لن تستطيع تغيير جميع الناس من حولك وإصلاح العالم أجمع مهما حرصت (.. وَمَا أَكْثَرُ النَاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، ومع أن مدلول الآية الأساسي قد يختلف عن مقصدنا هنا، إلا أنه يمكننا استنباط حقيقة جلية منها، هي أن قدرة الإنسان على التغيير مقصورة، ولها حدود لا تتعداها مهما بذل الإنسان وناضل من أجل التغيير، فكل ما عليك فعله هو برمجة ذاتك على تجاهل مثل هؤلاء الناس حتى تنعم براحة البال.

لا أتحدث هنا عن الفرد السوي الذي يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً كما الجميع، ولكنني أتحدث عن أولئك الأفراد المنتمين لفئة السفهاء، وهم الذين يتقيهم الناس العقلاء مخافة ألسنتهم وشرهم.

لقد ورد في تفسير الميسر وصف لـ"السفهاء" في القرآن [2:142] بأنهم: ضِعاف العقل والرأي. فأصل السفه في اللغة: نقص وخفة العقل والطيش والحركة. بطبيعة الحال، يضم المجتمع مختلف الشخصيات، فهنالك العاقل والجاهل، وهنالك الذكي والبليد، وهنالك الرشيد والسفيه، ولو أردت أن تعامل كل شخص بخُلقه فلن تذوق طعم الراحة أبداً!

داروا سفهاءكم
هو أمر صعب وليس بهين، وفيه من مجاهدة النفس الشيء الكثير. ولكن عندما تواجه سفيهاً في حياتك، ستكون أمام خيارين اثنين: إما الانجراف معه ومجاراته -ولن تخرج بنتيجة مرضية- وإما مداراته والترفع عن الخوض معه في جدالات لا متناهية.

إن هؤلاء السفهاء موجودون بكثرة، ولا تصدق أي أحد يحاول إقناعك بعكس ذلك! وجودهم أمر مثبت علمياً ودينياً وتاريخياً. فمثلاً، إذا نظرت إلى القرآن، ستجد بعض الآيات التي تثبت وجود تلك الفئة السفيهة من الناس: (سَيَقُولُ السُفَهَاءُ مِنَ النَاسِ..)، (.. وَلَكِنَ أَكْثَرَ النَاسِ لا يَعْلَمُونَ)، (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُفَهَاءُ مِنَا..)، تدل كل تلك الآيات على أن السفاهة موجودة في بعض البشر بلا شك، فالسفهاء متغلغلون في كل المجتمعات.

سفيهٌ لم يجد مسافهاً
لقد تعرض الأنبياء والصالحون لمثل هذه الفئة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب، ويتبسم، فلما أكثر ردَّ عليه بعض قوله؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام فلحقه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال: إنه كان معك مَلَك يردّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان).

تحوي السيرة العديد من المواقف التي تخبرنا بأن التجاهل والتغافل والمداراة ليست بضعف، بل هي النهج الصحيح الذي يجب اتباعه عند الابتلاء بمثل هذه الشخصيات ضعيفة العقل والفكر.

كما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة متى عهدتني فحاشاً؟! إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره).

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الأعلى والقدوة الأولى لكل مؤمن قوي، كما أنه صاحب الخلق العظيم المحمود؛ لهذا، يجب علينا فهم معنى القوة الحقيقية في حال التعامل مع السفهاء، وهو الجلد والصبر على أذاهم وسفاهتهم، كما أن الفائز هو من وفقه ربه وسدده إلى كظم غيظه، لينال السلام الداخلي، ويوفر الكثير من الوقت والجهد النفسي.

لذلك، إذا تمرست واحترفت فن التعامل مع هذه الشخصيات ستكون قد عالجت جزءاً كبيراً من حياتك واستغنيت عن كثير من المشاكل التي قد تمر بها في حال تصادمك مع السفهاء، فنحن بشر ونعيش مع بشر، ولا ريب أننا محاطون بهم طوال الوقت.

وتذكر قول الشاعر:
لاِ تُرْجِعَنَ إِلَى السَفِيْهِ خِطَابَهُ ** إِلاَ جَوَابَ تَحِيَةٍ حيَاكَهَا
فَمَتَى تُحَرِكَهُ تُحَرِكَ جِيْفَةً ** تَزْدَادُ نَتْناً إِنْ أَرَدْتَ حِرَاكَهَا




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا