ليلة رحيل المالكي .. أسرار وخفايا

ليلة رحيل المالكي .. أسرار وخفايا

نوح سمعان/ في عام ٢٠٠٦ وبعد الانتخابات النيابية في العراق رجح التحالف الوطني إبراهيم الجعفري على عادل عبد المهدي ليكون رئيسا للوزراء إلا إن الرفض الكردي والسني كان عائقا.


وتغلبت إرادة الرفض على قرار التحالف الوطني ولكن حزب الدعوة تمسك أن يكون البديل منه بما أن الجعفري كان رئيساً له فكان أن توجهت الأنظار إلى المالكي ، ويقال إن اختياره أتى بترشيح من زلماي خليل زاد وكان ينظر له باعتباره شخصية متوازنة غير راض عن سلوكيات الجعفري التي أبعدته عن السنة والكرد وصاحب اختياره قدر كبير من التفاؤل الأكبر بين السنة باعتباره عربيا وابن عشائر وبين الكرد الذين ارتبط معهم بعلاقات قوية وجلال الطالباني وحزبه على وجه الخصوص .

نجح المالكي في سنواته الأربع الأولى في نيل دعم قوي من الأمريكان ومن الإيرانيين بدرجة واحدة وبشكل أثار استغرابا عند خصومه ، ولا زال الاستغراب قائما لماذا كان هذا الدعم ويتحجج الأمريكان والإيرانيين إن رغبتهم في استقرار العراق كان هو السبب في ذلك الدعم، ونقدر أن المالكي حضي بذلك الدعم لأنه وفر للطرفين ما كانا يريدانه.

إلا إن نهاية عهده شهدت توترات بينه وفي الدورة الانتخابية الثانية تقاربت نتائجه من نتائج القائمة العراقية ولكنه نجح في إقناع الآخرين انه سيبدأ عهدا جديدا وأسبغ الوعود للجميع فانحازت العراقية له ورضيت إن تكون له ولاية ثانية كما اقتنع الكرد بوعوده لهم فاختاروه ويقول العارفون بخبايا الأمور إن الدور الذي مارسه الطالباني كان حاسما إذ لم يخف انحيازه إلى المالكي منذ اليوم الأول.

ولكن سنوات المالكي الأربع اللاحقة كانت مخيبة بشكل كامل للآمال، بل ولدت رفضا عاما له من قبل الكتل السياسية بغض النظر عن المقاعد التي حازها في انتخابات ٢٠١٤ بحيث ظهر هناك تصميم على عدم تمكينه من ولاية ثالثة.

وهنا يأتي دور اللاعبين الكبيرين أمريكا وإيران، أما أمريكا فبدأت تتراجع عن تأييده عندما مارست عددا من دول الإقليم الضغط عليها وهي الدول التي سارعت لمباركة العبادي بعد ساعات قليلة من تكليفه! وزاد من تأثيرها أن أمريكا ساءها عدم استجابة المالكي لنصائحها التي تحولت بعد ذلك إلى تقريع أكثر من كونها نصائح.

أما إيران فكان الوضع أكثر تعقيدا وارتبط إلى حد بعيد بصراع أو تنافس داخل إيران بين محورين:

الأول: محور الحرس الثوري وعلى رأسه قاسم سليماني.

الثاني: محور رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية والأمن القومي والمخابرات وكانوا يعتبرون إن سياسات سليماني ستورط إيران في صراعات لا نهاية لها وسيكون لها انعكاساتها على الداخل الإيراني.

لقد كان سليماني معرضا للسقوط مع انهيار الأوضاع في سوريا إلا إن نزوله بقوة وتجنيد كل الطاقات اللبنانية والعراقية واستغلاله لأموال العراق المنهوبة لتمويل الحرب في سوريا غيرت الموازين واستعاد الوضع السوري بعض استقراره مما مكنه من إعادة تثبيت وضعه في سلم القيادة الإيرانية.

وقف سليماني بقوة مع المالكي وكان يخطط لولاية أخرى له فقد كان المالكي كنزا لا يمكن التفريط به فالمالكي لا يقيم وزنا للاعتبارات الدستورية والقانونية إذا ما اتخذ قرارا، لذلك سمح للمقاتلين العراقيين بالذهاب إلى سوريا وسمح بصفقات فساد كبيرة من اجل تمويل الحملة الإيرانية في دعم الأسد.

ولكن المحور الإيراني الثاني كان ينظر إلى الأمر بمنظار آخر إن اضطراب المنطقة واشتعال الحروب وعدم الدخول في تسويات إقليمية وزيادة التوترات في العراق ستكون لها نتائج كارثية لن تنجوا إيران منها.

أصبح القرار الآن بيد الولي الفقيه للحسم بين تيارين ومنهجين وزاد الأمر خطورة سيطرة داعش على المحافظات السنية وتهديدها لبغداد والخوف من انتقال العدوى إلى الداخل الإيراني وعجز العراق عن التصدي لها وفشل جهود سليماني وقيادات الحرس الثوري التي انتقلت إلى بغداد في ردها على أعقابها وطردها من المواقع التي سيطرت عليها.

كلف خامئني لذلك رئيس جهاز الأمن القومي علي شمخاني بزيارة العراق وتقديم خلاصة نهائية ، فقام شمخاني بزيارة قصيرة التقى فيها عددا محدودا من ابرز القيادات العراقية كما التقى بالمرجعية الدينية في النجف ورفع تقريره أن لابد من تغيير المالكي.

من جانب آخر أرسلت الإدارة الأمريكية مساعد وزير الخارجية (برت) والتقى بقيادات عدة وخرج بالنتيجة نفسها إن رحيل المالكي هو مفتاح التغيير في العراق فبدأت جهود تفكيك جبهة المالكي سيما وان العراقيين أصبحوا بحاجة ماسة إلى كل من أمريكا وإيران.

كانت رسالة الإدارة الأمريكية للجميع إن التغيير قادم وان لا عودة للمالكي ولكن عليكم بسرعة حسم الملفات الداخلية، وكانت رسالة إيران إلى المالكي أن لا ولاية ثالثة وهناك روايات عن حديث ساخن جرى بين المالكي وسليماني هدد كل منهما الطرف الآخر.

رشحت إيران إبراهيم الجعفري بعدها، وتعامل الكرد والسنة بقلق مع هذا الترشيح ولكن المرجعية الدينية حسمت الموقف برفضها للجعفري ولا ندري السبب، يقول القريبون منها إن ذلك بناء على مشورة أمريكية بالحاجة إلى وجوه جديدة فلا ينفع العودة للوجوه القديمة.

فضلاً عن الحاجة إلى شخصيات لم يكن بينها وبين الآخرين مشاكل ليسهل تعاملها معهم وكما نجحت هذه النصيحة في استبعاد النجيفي عن مجلس النواب واختيار معصوم لرئاسة الجمهورية فإنها نجحت كذلك في استبعاد الشهرستاني والأديب وطارق نجم واختيار العبادي الذي لا تعرف عنه مشكلة مع احد.

يبدو إن أمريكا تريد وجوها لا يعرف عنها تصلب فكري أو إيديولوجي أو مواقف متطرفة ومن تم اختيارهم إلى الآن للرئاسات الثلاثة يغلب عليهم هذا الوصف.

الآن حيدر العبادي أمام امتحان صعب إذ إن كل الأطراف شمرت عن مطالبها وسيحتاج إلى صبر كبير ومرونة وقبل كل شيء صدق في تعامله مع الشركاء إذا ما أراد النجاح لان المالكي رسخ قناعة إن قيادات الدعوة لا يمكن الوثوق بها ولا تلتزم بعهودها فهل سيستطيع العبادي تغيير هذه الصورة التي التصقت بالدعوة وقياداتها؟

الأيام مقبلة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل الهام ...




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا