غالب حسن الشابندر

السلفية هوية متطرفة بصرف النظر عن عنوان هذه الهوية ... دينية ... مذهبية ... قومية ... آيدولوجية ... ليس هناك سلفية إسلامية وحسب ، بل كذلك مسيحية ، يهودية ... ليس هناك سلفية سنية فقط ، بل هناك سلفية شيعية أيضا ،ليس هناك سلفية عروبية ولا غير ، بل على الجهة الثانية هناك سلفيات قومية أخرى ... هناك سلفية ماركسية ولا شك ... بل هناك سلفية عشائرية بالصميم من تكوين المجتمعات الشرقية .
السلفيات تتعدد ، مادام هناك فكرة وتطرف معا ...
السلفيون في الشرق الأوسط كثر،مسلمون، مسيحيون ، قوميون ، وكل عنوان من هذه العناوين ينطوي على سلفيات جزئية، وبالتالي ، هذا الشرق المسكين بمثابة سلفيات، سلفية تواجه سلفية خارجها ، وسلفية تواجه سلفية داخلها ، والمعارك طاحنة بين السلفيات في هذا الشرق ، بلا هوادة ، والغريب أن ينخرط إلى الأذقان المثقفون في أتون هذه المعارك المخيفة ، فهو علماني ، لا يعترف بالدين أصلا ، ربما ملحد، ولكنه سلفي ، يتحرك ويكتب وينشط سلفيا ، وليس علمانيا ، مما يعني أن السلفية مرض متأصل فينا ، في العراق ، في لبنان ، في مصر، ليس غريبا أن تجد علمانيا إلى حد النخاع ولكنه عضو في حزب ديني سلفي ، وليس غريبا أن تجد مستهترا بالدين وتعاليمه بل حتى أصوله الأولى ولكنه ناشط في تكتل ديني أصولي ، سواء كان هذا التكتل ينتمي إلى الإسلام أو المسيحية أو اليهودية ...
السلفية هذه ليست طارئة ، بل هي متجذرة كما يبدو ، فليس من المعقول إنها تحدث فجأة، تخرج إلى الظاهر بهذه القوة والشراسة بلا أسباب سابقة ، عميقة وناشطة ، يبدو أنها كانت مختفية ، تنتظر الفرصة السانحة، واليوم جاءت هذه الفرصة ...
السلفية هذه ليست مساحة محصورة بحدود متقاربة وبمديات بسيطة ، بالعكس، إنها مرض منتشر ، ممتد ، وبتقادم الزمن تزداد اشتعالا ، إنها الظاهرة الغالبة على الاجتماع الإنساني في الشرق ، وإلّا لماذا الحديث المتكرر عن احتمالات حروب طائفية مذهبية في المنطقة ؟ ولماذا الحديث المتكرر عن احتمالات حروب إثنية في المنطقة ؟ من أخطر الأمور أن يتغافل الإنسان عن الحقائق الواضحة أملا بالخلاص والهروب .
السلفية ليست موجة ، السلفية فلسفة وجماهير وقيادات وتنظيمات وأدبيات وسلاح ... وهي مترسخة في الضمائر ،ومساحاتها الجغرافية البشرية واسعة وتمتد ... والأنظمة الحاكمة في هذا الشرق قد تميل إلى هذه السلفية أو تلك ،حسب المصالح ،وهذه المصالح تتركز في القوة والمصلحة ، وهناك أجندة خارجية تخطط للاستفادة من هذه السلفية ، فكرا وتحريكا ، وبالتالي، نحن غارقون في بلاء السلفية ...
أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي التي تدعي الاعتدال سرعان ما تتحول إلى سلفية مقيتة مجرد أن تتعرض للمحك ، خاصة عندما تتسلم الحكم ، بل مجرد أن تقترب من دفة الحكم ، لم يخفِ ذلك الإخوان المسلمون في مصر ، ولا الحركات الإسلامية في ليبيا ، ولا غيرهما ، الكنائس التي تدعو إلى المحبة ربما تكون أكثر من غيرها تحريضا على الحقد ، بل تتفنن في إثارة الفتن والمشاكل بين المسلمين والمسيحيين ، دعاة ورموز مذاهب يدعون إلى التقارب والتوحد ولكن لا يتورعون من التكفير المتبادل ، ومن ثم ، السلفية هي المتوطنة في الضمائر ، وهي الراسخة في الأعماق ....
نظام الحزب الواحد يكرس السلفية ، نظام الحكم الأسري والعشائري يثير الدفائن السلفية ، النظام الديكتاتوري ينفخ الروح بعروق التعصب والتحزب للمذاهب والأديان والقوميات والإثنيات ، التفاوت الطبقي من شأنه التشجيع على الاحتماء بالعشيرة والمذهب والدين مما يحفز على الانشداد السلفي للعشيرة أو الدين أو المذهب أو القومية ، الظلم الاجتماعي يهيئ بجدارة للسلفية تفكيرا وتنظيما ونشاطا...
الشرق الأوسط أروع نماذج الحكم الفردي والعائلي والعشائري والحزبي الضيق والطائفي الموسوم بعناوين واضحة صريحة !
فلماذا لا تجد السلفية موطنها المناسب في هذا الشرق المسكين ؟ بل لماذا لا يكون الشرق الممول المناسب للسلفية بحد ذاتها في كل أنحاء العالم إن كانت هناك فرصة أو مناسبة؟
حقا ، يفكر بعضهم أن تشتعل المنطقة بحرب ضروس ، كي تتطهر من مرض السلفية هذا ، وحقا ، يرى بعضهم أنّ لا خلاص من هذه السلفية إلّا بحرب طاحنة تعلمنا بأن السلفية هي البلاء والعماء !
لست مع هذا الرأي المثير ، ولكن هل عدمت هذه الأمة مثقفين صادقين يطرحون فكرهم بقوة وشجاعة ؟
ما يحدث في العراق من مآسي قتل وتشريد سلفي الجوهر ، وهذه المعارك والمحارق بين المسلمين والأقباط سلفية الجوهر ، وما ينتظر ليبيا من قتال بين مسلمين متشددين وعلمانيين كما يقولون سلفي الجوهر ، والقتال بين قبائل اليمن سلفي الجوهر ...
أعرف أن بعضهم سيقول :إن العلة تكمن في الأنظمة وليس الشعوب ، وأقول لهذا البعض: وهل الأنظمة إلّا نسخة من شعوبها ؟!




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا