حرب ضد «داعش» .. من الأنبار إلى حلب

حرب ضد «داعش» .. من الأنبار إلى حلب

تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) ضحية قرار أميركي ـ سعودي، بالتخلص من عبء «الدولة الإسلامية»، وتأهيل «الجبهة الإسلامية» بديلا نهائياً عن «الجيش الحر».
فخلال الساعات الأخيرة انحسرت سيطرة «داعش» عن المزيد من مناطق الشمال السوري. ولليوم الثالث على التوالي تواصلت العمليات العسكرية ضد «داعش» التي يقوم بها تحالف يمتد من «الجبهة الإسلامية» الى «جبهة ثوار سوريا» التي يقودها رجلا السعودية في سوريا زهران علوش وجمال معروف. مسلحون من «الجبهة الاسلامية» على حاجز بين كفررومة ومعرة النعمان امس لمنع عناصر «داعش» من الوصول الى جبل الزاوية في ادلب (رويترز)
وتراجع مقاتلو «داعش» أمام هجوم منسق من «الجبهة الإسلامية» على مواقعهم في اطمة وبلدة الدانا الإستراتيجيتين في ادلب، فيما تخلى التنظيم عن مواقعه في سرمدا القريبة من الحدود التركية، وأخرجه مقاتلو «الجبهة الإسلامية» من معبر باب الهوى الحيوي، الذي تمر عبره قوافل المقاتلين الأجانب والإمدادات الغربية والأسلحة السعودية. كما تخلى «داعش» عن المواقع المحيطة بالمعبر.
ويبدو أن الأميركيين نجحوا في إشعال جبهة قتال كبيرة بين «الجهاديين» في سوريا، واختاروا الوقوف إلى جانب دعاة «الجهاد في سوريا وحدها» ضد الاتجاه «الجهادي» الإقليمي أو العالمي الذي يمثله «داعش». إذ تزامن هجوم الجبهتين «الإسلامية» و«ثوار سوريا» على مقار ومواقع «داعش» في الشمال السوري مع الهجوم المضاد الذي بدأه الجيش العراقي وثوار العشائر في العراق ضد العدو ذاته «داعش»، وبدعم أميركي أوضح مما يبدو عليه الموقف في سوريا. إذ قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري من القدس المحتلة، قبيل انتقاله إلى الرياض حيث التقى الملك السعودي عبد الله ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، إن «هذه معركة اكبر من أن تكون في العراق وحده، القتال في سوريا هو جزء مما يثير عدم الاستقرار في المنطقة، هذه هي المعركة في النهاية، وعليهم تحقيق النصر فيها».
وقال كيري، في مؤتمر صحافي مشترك مع الفيصل، «ناقشنا خلال الاجتماع قضية سوريا ومؤتمر جنيف 2، وملف إيران النووي، وموضوع دعم الدولة اللبنانية وعدم تأثرها بتدخلات حزب الله في عملها».
وكان كيري، الذي يتلقي نظيره الروسي سيرغي لافروف في 13 كانون الثاني الحالي في باريس، انه يمكن لإيران القيام «بدور» في مؤتمر «جنيف 2» لكن من على الجانب، متمسكاً بعدم مشاركتها الكاملة في المؤتمر الدولي الذي سيفتتح أعماله في مدينة مونترو السويسرية في 22 كانون الثاني الحالي.
وكان لافتاً أيضاً أن يصدر الأسبوع الماضي بيان من السفارة الأميركية في بغداد تناشد فيه وزارة الخارجية الأميركية للمرة الأولى، الدول المجاورة للعراق وسوريا عدم السماح بمرور الأسلحة والمقاتلين المتشددين عبر أراضيها.
وكان الإعداد أميركياً وسعودياً لاستبدال «الجيش الحر» بـ«الجبهة الإسلامية» قد بدأ قبل أسابيع، بمحاولات أميركية قام بها السفير روبرت فورد في إنطاكية، خلال لقاءات جرت مع قادة ألوية «أحرار الشام» و«صقور الشام» و«لواء التوحيد» وأبرز قيادات «الجبهة الإسلامية» لإقناعهم بالعودة إلى «هيئة أركان الجيش الحر»، الذي استولوا على مقره ومخازن أسلحته قرب معبر باب الهوى، والانضمام إلى العملية السياسية في جنيف.
وأشرفت الاستخبارات السعودية على اجتماع، في مكة في كانون الأول الماضي، حضره الدعاة السلفيون محمد العريفي وسعد البريك وسعد المحيمد وناصر العمر. واشتهرت المجموعة بدعمها قتال «الصحوات» في العراق لتنظيم «القاعدة». ولم يصدر عن اجتماع مكة فتاوى ضد «داعش»، لكنه عمل كما يقول خبراء في «الجهاد» السوري على تهيئة الأجواء لقتال «داعش».
وقدم «الائتلاف الوطني السوري»، الذي أعاد انتخاب احمد الجربا رئيساً له لمدة ستة أشهر، دعماً سياسياً كبيراً للعملية العسكرية الجارية، متهماً «داعش» بأنه حليف النظام السوري ونتاجه. وإذا ما نجحت العملية العسكرية، التي تقوم بها «الجبهة الإسلامية»، فإنه سيكون بوسع الأميركيين استباق انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، بتحجيم الجناح «الجهادي» العالمي في سوريا، وتكريس من يقاتلهم طرفاً مقبولا في العملية السياسية، كما سيكون بوسعهم مواصلة إنهاك دمشق وحلفائها، عبر قوى أفضل تنظيماً من «الجيش الحر»، وأكثر تجانساً في الخطاب الإيديولوجي الذي تتجاهل «جهاديته»، طالما انه لا يفيض عن حدود الحاجة الأميركية إليه لضرب سوريا ولا يهدد مصالحها الإقليمية.
ومع ذلك ليس مؤكداً أن ينجح التحالف «الجهادي - السلفي» الذي تمثله «الجبهة الإسلامية» إلى جانب «جبهة ثوار سوريا» في إلحاق هزيمة سريعة بـ«داعش» لأسباب عسكرية أولا.
فرغم انحسار سيطرة «داعش» على مناطق مهمة في الشمال السوري إلا انه لا يزال يسيطر على طرق الإمداد الرئيسية في الشرق السوري، من الرقة ودير الزور، وصولا إلى الأنبار داخل العراق، حيث يحتفظ بقواعد كبيرة، وبجيش من المقاتلين الأجانب والعرب القادمين من السعودية والأردن وشمال أفريقيا.
وتبدو معركة الأنبار في العراق ومعارك الشمال السوري مسرحاً لعملية عسكرية واسعة، ستكون نتيجة كل منهما محدِّدة للآخر. وعسكرياً أيضاً تبنى «داعش» إستراتجية تفادي المواجهة ما أمكن حيث لا يسعه القتال. وانسحب من مقاره المحاصرة حول حلب، وسلمها إلى «جبهة النصرة». واستعاض عن المواجهة المباشرة بشن حرب سيارات مفخخة، أطلق ستاً منها بالأمس، قتلت العشرات في حريتان وفي الريف الحلبي.
وبدأ «داعش» بشن حرب كمائن كما في بلدة مغارة الأرتيق، حيث قتل 4 مقاتلين من أعدائه و10 آخرين قرب تل رفعت. وأعدم خمسة مقاتلين في حارم، واغتال عمار ليلى أحد أهم قادة «لواء التوحيد» في ريف حلب الشمالي، رداً على تصفية «التوحيد» لعاصم المصري (ابو حفص) وهو من أهم القياديين العسكريين لديه. وقام «داعش» بإعادة تجميع مقاتليه في حلب، ولا يزال بإمكانه إرسال مقاتلين وتعزيزات والقيام بعمليات في المنطقة.
والأهم أن «داعش» يهدد بلعب ورقة «عليَّ وعلى أعدائي يا رب». وقد تنقلب المعادلة في حلب وريفها، لمصلحة الجيش السوري، فإذا ما تواصل هجوم «الجبهة الإسلامية»، يهدد «داعش» بالانسحاب من جبهات حلب في الشيخ سعيد وعفرين ومغارة الأرتيق ونبّل والزهراء وخان طومان.
وتحول أسباب أخرى، تتعلق بتعقيدات «الجهاد» السوري، دون هزيمة مباشرة لـ«داعش». ويعمل تقاطع وجود أكثر من 10 آلاف من الجهاديين «المهاجرين» العرب والأجانب في فصائل «الجبهة الإسلامية» وداخل «داعش» نفسه، على منع ذهاب الاقتتال بين هؤلاء حتى النهاية.
ويربك قرار الحسم والإجماع داخل فصائل الجبهة على قتال «داعش»، إذ أفتى قائد «أحرار الشام» أبو عبد الله الحموي بقتل من يعتدي على أي امرأة «مهاجرة»، بعد أن قام «لواء شهداء سوريا» بأسر عائلات ونساء «المهاجرين» المقاتلين في «داعش»، وقتل «أمير جند الأقصى» أبو عبد العزيز القطري.
وتشير حدة السجال حول استهداف «المهاجرين» في القتال إلى الدور المركزي لهؤلاء في تغذية «الجهاد» السوري، بأفضل قادته ومقاتليه. وقامت «أحرار الشام» و«الجبهة الإسلامية» باعتقال مقاتلين من «صقور العز»، وهو لواء يجتذب «المهاجرين» السعوديين خصوصاً، ويقوده صقر العز السعودي، الذي اشتهر بتشدده في معارك ريف اللاذقية ودوره في المجازر في القرى العلوية.
وكان «داعش» اتهم المهاجمين بأنهم يسعون إلى تصفية «المهاجرين»، وردت الجبهة «بأننا نحن نقاتل من بَدَأنا بالقتال واعتدى علينا، ودفعاً للصائل ممن كان، سواء من الأنصار أم من المهاجرين».
ويطرح القتال بين «الجهاديين» ودعم الأميركيين الواضح مع «الإئتلاف»، لـ«الجبهة الإسلامية» مسألة الموقف من «جبهة النصرة» وتحييدها حتى الآن في المعارك الجارية، علماً أن «النصرة» هي الممثل الرسمي لتنظيم «القاعدة» وزعيمها أيمن الظواهري و«الجهاد» العالمي في سوريا وليس «داعش».
وتعتمد «النصرة» حتى الآن سياسة «النأي بالنفس» في الصراع بين إخوة «الجهاد»، وتكتفي جماعة أبو محمد الجولاني بالتوسط بين المتقاتلين وتسلم مقار «داعش» وأسلحة مقاتليه، وهو ما يعزز امتدادها السوري شريطة أن يتوقف القتال، إذ لن يكون بوسع الجولاني و«مجلس شورى النصرة» البقاء طويلا على الحياد، منعاً لانقسام الجبهة نفسها بين «داعش» و«الجبهة الإسلامية».
وظهر الصدع في دعوة قضاة الشرع في «النصرة»، كسلطان بن عيسى العطوي وأبو حسن الكويتي، ضمنياً إلى تأييد الهجوم على «داعش» من باب «انه على من أشعل النار أن يطفئها»، فيما يقول أبو سامي الوايلي، احد أمراء «داعش»، إنه تلقى رسائل من مسؤول رفيع المستوى من «النصرة»، تبلغه أن الجبهة مع «الدولة الإسلامية» في قتال من اعتدى عليها.
كما أن السؤال الذي يطرحه أنصار الانحياز إلى «داعش» يلقى صدى في «النصرة»، إذ يفكر هؤلاء بأن دورهم قد يحين بسرعة عندما يهزم «داعش».

محمد بلوط

المصدر: السفير




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا