حي (سرجنار) نموذج للتعايش القومي والمجتمعي بين النازحين والسكان

حي (سرجنار) نموذج للتعايش القومي والمجتمعي بين النازحين والسكان

في احد احياء سرجنارالقديمة بمدينة السليمانية يحرص مجموعة من الاطفال ان تملأ اصواتهم العالية زوايا الحي العتيق ويبتكرون افكارا جديدة للعب والانسجام مع بعضهم البعض وهم جميعا في اعمار متقاربة بين التاسعة والعاشرة يملئون ارجاء الحي صخبا وضحكا وهم تارة في وئام وتارة اخرى في خصام . مايثير الانتباه انهم احيانا يتكلمون العربية واحياننا اخرى يتفاهمون بينهم بالكردية .

توجهت ل (سان) وهو ابن العاشرة والذي يطلق عليه الصبية لقب "قائد المجموعة " اراك تجيد العربية كيف تعلمت ذلك ؟ فأجاب بلهجة خجولة وطفولية : من اصدقائي ( مجد وعبدالرحمن وادم ومهند) فقلت فقط هؤلاء اصدقائك ؟ قال كلا (الند وريبين وسالار) ايضا اصدقائي .. فأشارباصبعه نحوهم .. فسألته من تحب اكثر ؟ اجاب : انا احب جميعهم فكلهم اصدقائي..
مايميز حي سرجنارفي السليمانية هي تلك العلاقة الجميلة بين الجيران فالفضل يعود الى هؤلاء الاطفال الذين قربوا المسافات بين اهاليهم رغم اختلاف الثقافات والقوميات والعادات والتقاليد فهذا الحي فيه الكردي والعربي ومن مختلف المناطق .. لكن الصغار كسروا تلك الحواجز.
وعودة الى حديث (سان ) حيث يقول : نجتمع للعب البلاي ستيشن في بيتنا انا (وريبين وعبدالرحمن و مجد) ونذهب ايضا الى منزل (ادم) حيث لديه بلاي ستيشن من النوع المتطور فقلت له كيف تتواصل معهم هل تعرف التحدث اليهم فقال فورا وبدون تردد :لاحاجة لي بذلك فانهم يعرفون التحدث باللغة الكردية وانا اعرف العربية . وذكر بلهجة تملئها الغرور" انه في المدرسة يتباها امام التلاميذ لانه يجيد العربية ولذلك اصبح يشارك كثيرا في درس اللغة العربية والمعلم يثني عليه دائما .
شهدت مدن اقليم كردستان بعد اندلاع النزاع الطائفي بين 2006- 2007 نزوح اعداد كبيرة من مواطني وسط وجنوب العراق وتوافدت الاف منهم الى السليمانية بعد دخول تنظيم الدولة الاسلامية الى العراق في حزيران 2014 . حيث ذكرت الاحصائيات الرسمية لمديرية الهجرة والمهجرين في محافظة السليمانية انها استقبلت(5285) عائلة نازحة في 10-6-2014
واكدت احدى الدراسات التي اطلعنا عليها " عن أهمية الانسجام بين الجيران والترابط بين سكان الحي الواحد في القضاء على السلوكيات المعادية للمجتمع وتجنب أمراض العزلة إلا أن علاقة التوتر التي أصبحت سائدة بين الجيران أكثر بكثير من الثقة والتعاون في ما بينهم".
يقول (سان) ان صديقه المقرب هو (مجد) الذي نزح مع عائلته من محافظة ديالى واشار انه يلعب في بيتهم كثيرا لافتا ان والدته عندما تطبخ الدولمة او كبة برغل ترسل بالاطباق الى منزل اصدقائه (مجد وادم وعبدالرحمن و ) ادم نازح من الانبار وعبدالرحمن نزح مع ذويه من قضاء بيجي التابعة لمحافظة صلاح الدين .
وحين سالت (سالار) وهوايضا في العاشرة من تحب اكثر من اصدقائك؟ ..فأجاب: اني احبهم جميعا ولكن كل من (مهند وعبدالرحمن وسان) اقرب الى قلبي وبين ان والد (مهند ) وهم من محافظة الانبار ووالده اصدقاء وهم يعملون سويا وكشف ان والده يملك شاحنات تنقل البضائع بين كردستان والمناطق الجنوبية ووالد مهند يعمل سائقا للاحدى تلك الشاحنات .
حدثنا والد سان الاستاذ (ئالان عثمان) الذي يعمل مدرسا في احدى المدارس الثانوية في السليمانية : ان الجيران في الحي طيبون بما فيهم جيرانه من العرب مشيرا انه لم يكن يتوقع ذلك . فسألته لماذا ؟ قال :ان والده اخبره ذات مرة عن ماتعرض له من ظلم وتميزواهانة من قبل العرب عندما كان يخدم في الجيش ابان الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي حيث خاض والده الكثير من المعارك مع الجيش العراقي انذاك وانه كان من ضمن الجنود الذين دونت اسمائهم لتسلم نوط الشجاعة الا ان والده تفاجأ عندما قام (الامر) وبعض الضباط بشطب اسمه من قائمة الاسماء لانه كوردي
وبين الاستاذ (ئالان) ان والده كان يخبرهم دائما انه كان يسمع من الضباط وبعض الجنود كلمات غيرلائقة عن الكورد وكانوا يرددون ان الاكراد "عصاة " ومخربين" .
واضاف الاستاذ (ئالان )ان الصورة الذهنية التي اكتسبها من حديث والده عن العرب رسمت لدية تصورغيرجيد نحوهم مشيرا ان هذه الصورة تغيرت بعد ان تعرف على عائلة (ابومجد ) والد صديق (سان) وقال لي انه تعرف على والد (مجد) عن طريق ولده (سان) حيث انهم يلعبون سويا وكثيرا ما يبقى (سان) لساعات متأخرة في بيتهم ووصف( ابو مجد) بالرجل الطيب والمهذب ومشيرا انه من اهالي محافظة ديالى وانه هجرمن بلدته (ابو صيدا) نتيجة اعمال العنف التي شهدتها منطقتهم في عام 2007 وبين انهم يملكون اراضي زراعية وبساتين وانه كلما ذهب ليتفقد ارضه يقوم بجلب سلال التمور والبرتقال والرمان كهدايا ويوزعها على الجيران ..
واوضح الاستاذ (ئالان ) ان العلاقات الطيبة بين أطفال الحي الذين يلعبون ويدخلون البيوت وقت ما يشاؤون دون التفكير فيما اذا كان الجارعربي او كردي والاحترام السائد بينهم ادت الى اختفاء الخشية والحذر والشك والريبة بين عائلاتهم بسبب انتمائاتهم المختلفة مضيفا ان الصورة النمطية التي انتشرت بعد سيطرة تنظيم داعش على العديد من المدن ونزوح سكانها الى اقليم كردستان ومنها السليمانية والضغائن والكراهية التي انتشرت بسبب الخلافات بين بغداد واربيل ذابت ولاوجود لها بين اهالي حي سرجنارالقديم .
ويقول مديردائرة الهجرة والمهجرين فرع السليمانية (جيا حسين فارس )ان معظم العوائل التي نزحت واستقرت في السليمانية والمدن التابعة لها هم من محافظات صلاح الدين والانبار وديالى وان مجموع تلك العوائل التي تقطن المخيمات ومدن وقصبات محافظة السليمانية وادارة كرميان (قضائي كلار وكفري) حتى 29-10 – 2018 هي (60381) عائلة موكدا ان حوالى 85 % منهم تسكن داخل مدن والاحياء السكنية والمتبقي يسكنون داخل خمس مخيمات منتشرة في السليمانية وادارة كرميان (كلار وكفري ) ..
وعودة الى عائلة عبدالرحمن تقول (ام عبدالرحمن ): انهم نزحوا الى السليمانية وتركوا بيتهم في قضاء بيجي اثناء سيطرة تنظيم داعش على المدينة في 2014 وبينت ان زوجها كان يعمل في (مصفى بيجي) وانهم سكنوا في حي سرجنار بسبب قربها من مدارس النازحين لان ولداها (عبدالرحمن وعلي) يرتاداني المدرسة واشارت ان بداية العلاقة الطيبة مع الجيران كان بسب ولدها (عبدالرحمن )واختلاطه مع (سان وسالار).
واضافت ان علاقتها بالجيران وخاصة (ام سان وام سالار) توطدت اكثر عندما احيت ليلة زكريا في اول من شهر شعبان من العام الماضي واعدت صينية زكريا مليئة بالشموع الملونة واغصان الياس الاخضروالحلويات ودعت اليها نساء الجيران وبينت انها اخبرت (ام سالار) انها احيت الليلة للاجلها لانها اخبرتها ذات مرة انها لم ترزق بطفل بعد (سالار) وانها تحاول منذ سنين ان ترزق بطفل و قامت بمراجعة العديد من الاطباء ولكن دون جدوى لذلك دعتها في تلك الليلة وطلبت منها ان تدعوا الله وان تصوم يومين حتى يرزقها الله بالطفل واشارت (ام عبدالرحمن) :ان الجيران تعجبوا من جو الاحتفال لان هذه المناسبة غيرمعتادة عند الاكراد كثيرا ولفتت ان بعد هذه المناسبة تعززت الروابط الاجتماعية والزيارات اكثر وتعرفت على نساء اخريات ..
تذكر الارقام الرسمية لهيئة احصاء كردستان ان عدد العوائل النازحة في اقليم كردستان حتى ايلول 2018 بلغت(139656)عائلة واكدت ان مجموع افراد تلك العوائل المتواجدة حاليا في الاقليم هي (837936) شخص وان( 231486 ) شخص يسكنون داخل المخيمات و( 606090 ) شخص داخل المدن كما وذكرت الاحصاءات الخاصة بوزارة الداخلية في اقليم كردستان في 2018 ان 40% من النازحين العراقيين يتواجدون حاليا في الاقليم وان 81% منهم يعيشون داخل المدن والباقون يعيشون داخل (30 ) مخيما في مناطق مختلفة باقليم كردستان.


يقول صاحب مكتب العقارات التي تبعد بضعة امتارعن حي سرجنار ( الحاج ابراهيم قرداغي ) :ان اهل حي رفضوا تأجير البيوت الفارغة للعرب في البداية فكانت المنازل عندما تفرغ تؤجر فقط للكورد وكانوا يرفضون تأجيرها للعرب نهائيا حتى اتى بيت (ابوعبدالرحمن) من بيجي فألحت على اهل الحي ان يوافقوا على تاجير المنزل لهم لاسباب انسانية فوافق اهل الحي على مضض ولم يكونوا يتعاملون معهم لعدة اشهر الاان العلاقة توطدت بينهم وبين اهل الحي الان واشار ان بعد عائلة ابوعبدالرحمن جاء الى الحي ثلاثه عوائل عربية اخرى وهم بيت( ابو مجد ابومهند وابوادم) مشيرا ان منطقتهم تختلف كثيرا عن المناطق الاخرى مبينا ان الفضل يعود لهؤلاء الصغار فبرغم صخبهم وشغبهم وصراخهم المستمرفي الحي الا انهم كانوا سببا في تقارب وجهات النظر بين الكبار..
بعد ان انتهيت من اكمال المقابلات مع الاطفال وأهل الحي تركت الاطفال وهم منشغلون باللعب فهم أحيانا يتشاجرون واخرى يضحكون سمتهم البراءة لا يحقدون ولا يحسدون يعيشون يومهم بيومهم بل ساعتهم بساعته..لايخططون لغد ..ولايفكرون كيف سيكون. ينسون الاساءة لان قلوبهم بيضاء لا تحمل على أحد .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار قناة دجلة الفضائية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :

أخبار أخرى

اكثر الاخبار قراءة

من برامجنا